الرئيسية » مقالات وقصص »

أما آن لهذا الفارس ان يترجل ؟!

أنيس دولة (2881944 قلقيلية – 3181981 سجن عسقلان) بقلم : عصام أبو الحاج كان واقع عام 1980 ثقيلا في وطأته على الاسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال . ففي ذلك العام افتتحت سلطات الاحتلال سجن نفحة الصحراوي , ونقلت إليه تقريبا جميع قدامى الاسرى وذوي المحكوميات العالية , ومن ضمنهم قادة الحركة الاسيرة في سائر السجون . كان سجن نفحة قاسيا بكافة المقاييس , سواء موقعه الصحراوي أو زنزاناته الضيقة سيئة التهوية والإضاءة, ولا يمكن الاسرى من الحركة بحرية فضلا عن صعوبة الزيارة على الاهل. كان واضحا أن هدف إدارة السجون الاحتلالية من افتتاح سجن نفحة فرض قواعد جديدة في التعامل مع الاسرى, وتجريدهم من المكاسب التي حققوها عبر نضالات طويلة من ناحية, ولكسر إرادة قيادات الحركة الاسيرة وتركيعها عن طريق احكام السيطرة على السجون وسحب ما اعتبرته إمتيازات مثل الحصول على الكتب والصحف ومتابعة نشرات الاخبار ... الخ . لم يكن امام الحركة الاسيرة سوى اشهار سلاح الأمعاء الخاوية حيث أعلن معتقلو نفحة إضرابا مفتوحا عن الطعام تحت شعار "الجوع لا الركوع" وجاء توقيت اعلان الاضراب في 1471980 في ذكرى استشهاد اول اسير جراء الاضراب عن الطعام وهو الاسير عبد القادر ابو الفحم . جرى التحضير جيدا للإضراب واتسعت الشرارة الي باقي السجون ومن ثم سائر الاراضي الفلسطينية المحتلة وكان لذلك الاضراب ثمن باهض باستشهاد اربعة اسرى اثنان اثناء محاولة اطعامهما بالقوة (علي الجعفري وراسم ابو حلاوة ) واثنان اخران بعد فك الاضراب جراء تدهور حالتهما الصحية وعدم تقديم العلاج المناسب في الوقت المناسب لهما وهما (اسحق مراغة وانيس دولة). كان يوم 318 يوما عاديا في حياة اسرى عسقلان الخارجين قبلها بأيام من اضراب طويل عن الطعام ادى الى هزل اجسادهم وكانوا للتو بدأوا في ترميم ما ترهل من تلك الاجساد وبناء روحهم المعنوية بعد أطول اضراب مفتوح عن الطعام شهدته باستيلات الاحتلال وجرى توقيته بالتزامن مع تحطيم الثورة الفرنسية لسجن الباستيل الشهر والتي اصبحت تاريخا وذكرى لتلك الثورة التي تكللت بالانتصار. خرج انيس دولة من غرفته وكان قد بدأ عامه الثالث عشر في الأسر ليلعب الرياضة في ساحة السجن, فهو كان يؤمن أن اهم مهمة للأسير بعد وقوعه في الاسر هو الحفاظ على صحته الجسدية وشحن روحه المعنوية لبقى مّوارى بالأمل والاصرار على التحرر . ربما فكر انيس في تلك اللحظة بأمه المعذبة المحرومة من زيارته وهي المقيمة في مدينة الزرقاء بالأردن, وربما فكر برفاقه الذين رحلوا, ربما فكر بأشقائه وشقيقاته حين احس بهبوط جسدي جراء هبوط مفاجئ في عمل القلب . تلكأت ادارة السجن في تقديم الإسعاف له ولم يحضر طبيب السجن الا بعد توقف القلب الكبير عن الخفقان. هب رفق الاسير لنجدة المريض بحثت العينان في الوجوه وهو بين الغيبوبة والصحو عن وجه الام او الاخت او الاخ, عمن يمسح وجهه المعذب ويرش عليه ماءا بادرا في قيظ آب ورطوبة البحر التي صخبت امواجه والراحل يشهق شهقاته الاخيرة. نعم , كانت تلك خاتمة معركة نفحة معركة الامعاء الخاوية في مواجهة صلف الجلادين, هكذا كان فصل الختام. وكان ذلك يوم 3181980 وفي حين جرى تسليم ثلاثة من شهداء هذه المعركة (حلاوة ومراغنة والجعفري) وكان اخرها تسليم جثمان المرحوم الجعفري اواسط التسعينات , فإن جثمان أنيس دولة مازال مصيره مجهولا . هل هو في إحدى الثلاجات ؟؟ هل هو في قبر يحمل رقما ؟؟ هل ..... وهل ؟؟ والام الصابرة مازالت بانتظار عودة الفارس ولسانها يكرر ما قالته هند ذات يوم : أما آن لهذا الفارس أن يترجل ؟ إنها ككل الامهات تريد ان تحرر الحبيس منذ اكثر من 30 عاما فقد هدها اللجوء والفقدان والحرمان والصبر على ما هو امر من الصبر تريد الام ان تغمض عينيها بعد أن تزرع وردة وتتلو دعاءاً على ضريح ابنها علّ في ذلك بعضا من شفاء الروح , وأنى لروح الأم ان تشفى .